تقاعد الطيارين- تحديات النقص والسلامة في عالم الطيران
المؤلف: منيف الحربي08.21.2025

"الرحلة 65" ليست مجرد رقم عابر في جداول التشغيل الجوية، بل هي نقطة ارتكاز محورية في جدل متواصل حول السن المثالي لتقاعد الطيارين، قضية تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذه المهنة الحيوية.
في تطور لافت هذا الأسبوع، قامت اليابان برفع سقف السن القانوني لتقاعد الطيارين المدنيين، وذلك من 65 عامًا إلى 67 عامًا، في محاولة جادة للتصدي للنقص المتزايد في أعداد الطيارين المؤهلين.
على الرغم من أن هذا الفارق، الذي يبلغ عامين فقط، قد يبدو للوهلة الأولى بسيطًا وغير مؤثر، إلا أنه يثير في الواقع سلسلة من التساؤلات المعقدة والحساسة حول الجاهزية الصحية، واللياقة الذهنية، والقدرات الإدراكية للطيارين، خاصة في صناعة بالغة الأهمية، والتي تولي اهتمامًا بالغًا بمعايير السلامة الجوية الصارمة، وترصد بدقة عوامل الإرهاق والضغوط النفسية، وتعقيدات العصر الحديث المشتت للانتباه.
إن السن النظامي (أو التقليدي) المعمول به لتقاعد الطيارين في معظم دول العالم يبلغ 65 عامًا، وهو يستند بشكل أساسي إلى المفاهيم الطبية المتعارف عليها، والتي تركز على قدرات الإنسان البدنية والحركية، وقدراته التحليلية، وتأثر حواسه الأساسية كالسمع والنظر بمرور الوقت، ومع ذلك، فإن التوسع الهائل الذي يشهده قطاع الطيران، والتضاعف الكبير في أعداد الرحلات والمسافرين، جنبًا إلى جنب مع دقة معايير تأهيل الكوادر البشرية، يجعل العالم يواجه صعوبات جمة في توفير الكفاءات اللازمة، ويخشى الخبراء من أن يتحول هذا النقص التدريجي إلى عجز حقيقي ومؤثر في المستقبل القريب.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يمارس بعض المشرعين ضغوطًا متزايدة من أجل رفع سن التقاعد إلى 67 عامًا، وذلك استنادًا إلى تقرير حديث صادر عن الكونغرس؛ والذي أشار بوضوح إلى أن أكثر من 14 ألف طيار مؤهل سيحالون إلى التقاعد خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا لسد الفجوة المحتملة.
وفي دول مثل أستراليا وكندا، سُمح بالفعل لبعض الطيارين ذوي الخبرة بالاستمرار في الخدمة حتى سن 68 و70 عامًا، وذلك بشرط اجتيازهم بنجاح لاختبارات طبية ونفسية دقيقة وشاملة، وقد يكون لنمط الحياة الصحي السائد في هذه البلدان، وارتفاع متوسط العمر المتوقع للمواطنين، دور في اتخاذ مثل هذه القرارات.
من جانبها، أوصت المنظمة الدولية للطيران المدني «ICAO» بأنه لا ينبغي أن يتجاوز عمر الطيار 65 عامًا، مع اشتراط أن يكون الطيار متمتعًا بصحة جيدة وقدرات بدنية وذهنية سليمة، وألا يكون قائدًا للطائرة إذا وصل إلى هذا العمر، بل يمكنه العمل كمساعد للطيار فقط.
عبر تاريخ الطيران الطويل، ظل عمر الطيار يمثل عاملاً حساسًا ومثيرًا للجدل، فبين شباب يملؤهم الحماس والاندفاع، ويميلون إلى المغامرة غير المحسوبة، ورجال ذوي خبرة وكفاءة عاليتين، ولكن أوقعتهم الثقة الزائدة بالنفس في أخطاء كارثية، يظل التوازن هو المفتاح، ولكن الجيّد في الأمر أن تقارير السلامة العالمية تشير بوضوح إلى أن نسبة الحوادث الجوية المرتبطة بشكل مباشر بعامل السن تعتبر نادرة جدًا، وأن الخبرة المتراكمة والمهارات المكتسبة لدى الطيارين، تعوّض جزئيًا أي تراجع طفيف في القدرات البدنية أو الذهنية مع التقدم في العمر.
في المقابل، يتفاقم النقص في أعداد الطيارين المؤهلين بشكل مقلق، فالعالم، وفقًا للتقديرات الحديثة، سيحتاج إلى ما يقرب من 400 ألف طيار جديد خلال الخمسة عشر سنة المقبلة، ومع النمو الكبير والطلب المتزايد على السفر الجوي، أصبح خيار تأجيل التقاعد للطيارين الحاليين أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولكنه يظل مجرد إجراء مؤقت لشراء المزيد من الوقت، وليس حلًا جذريًا للأزمة المتفاقمة.
من أبرز التحديات التي تواجه قطاع الطيران اليوم هي التكلفة الباهظة لتدريب الطيارين وتأهيلهم، بالإضافة إلى ظاهرة التسرب الوظيفي التي تحدث أحيانًا، حيث يفضل بعض الطيارين الانتقال إلى وظائف أخرى ذات رواتب أعلى أو ظروف عمل أفضل، لذلك بدأت بعض الشركات الناقلة الكبرى، مثل «لوفتهانزا» و«يونايتد إيرلاينز»، في إيجاد حلول خاصة بها، والتي تمثلت في تأسيس أكاديميات طيران تابعة لها، بهدف تدريب وتأهيل الطيارين وفقًا لاحتياجاتها الخاصة.
أيضًا، أصبح النقاش يدور بشكل متزايد حول خيارات أخرى مبتكرة، مثل «التحول التدريجي إلى وجود طيار واحد فقط في قمرة القيادة»، أو الاعتماد بشكل أكبر على الطيران الآلي في رحلات الشحن الجوي (أي تسيير الطائرات بدون طيار بشكل كامل).
ولكن العائق الأكبر الذي يواجه هذه الخيارات هو الثقة البشرية، فما زال الركاب في جميع أنحاء العالم يفضلون بشكل قاطع وجود اثنين من الطيارين على الأقل في قمرة القيادة، مهما بلغ التطور التكنولوجي، ومهما بلغ سن الطيارين، فهم يشعرون بمزيد من الأمان والاطمئنان.
الواقع أن قطاع الطيران (أكثر من أي قطاع آخر) يتطلب حسًّا دقيقًا للموازنة بين معايير السلامة الصارمة، والجرأة في تبني التجارب الجديدة والمبتكرة، وبين الاحتياجات الملحة والإمكانات المتاحة، ومع أن الخبرة تظل رصيدًا ثمينًا لا يقدر بثمن، فإن التوازن هو ما سيحسم مسار "الرحلة 65" في مستقبل الطيران، ويحدد شكل هذا القطاع الحيوي في السنوات القادمة.
في تطور لافت هذا الأسبوع، قامت اليابان برفع سقف السن القانوني لتقاعد الطيارين المدنيين، وذلك من 65 عامًا إلى 67 عامًا، في محاولة جادة للتصدي للنقص المتزايد في أعداد الطيارين المؤهلين.
على الرغم من أن هذا الفارق، الذي يبلغ عامين فقط، قد يبدو للوهلة الأولى بسيطًا وغير مؤثر، إلا أنه يثير في الواقع سلسلة من التساؤلات المعقدة والحساسة حول الجاهزية الصحية، واللياقة الذهنية، والقدرات الإدراكية للطيارين، خاصة في صناعة بالغة الأهمية، والتي تولي اهتمامًا بالغًا بمعايير السلامة الجوية الصارمة، وترصد بدقة عوامل الإرهاق والضغوط النفسية، وتعقيدات العصر الحديث المشتت للانتباه.
إن السن النظامي (أو التقليدي) المعمول به لتقاعد الطيارين في معظم دول العالم يبلغ 65 عامًا، وهو يستند بشكل أساسي إلى المفاهيم الطبية المتعارف عليها، والتي تركز على قدرات الإنسان البدنية والحركية، وقدراته التحليلية، وتأثر حواسه الأساسية كالسمع والنظر بمرور الوقت، ومع ذلك، فإن التوسع الهائل الذي يشهده قطاع الطيران، والتضاعف الكبير في أعداد الرحلات والمسافرين، جنبًا إلى جنب مع دقة معايير تأهيل الكوادر البشرية، يجعل العالم يواجه صعوبات جمة في توفير الكفاءات اللازمة، ويخشى الخبراء من أن يتحول هذا النقص التدريجي إلى عجز حقيقي ومؤثر في المستقبل القريب.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يمارس بعض المشرعين ضغوطًا متزايدة من أجل رفع سن التقاعد إلى 67 عامًا، وذلك استنادًا إلى تقرير حديث صادر عن الكونغرس؛ والذي أشار بوضوح إلى أن أكثر من 14 ألف طيار مؤهل سيحالون إلى التقاعد خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا لسد الفجوة المحتملة.
وفي دول مثل أستراليا وكندا، سُمح بالفعل لبعض الطيارين ذوي الخبرة بالاستمرار في الخدمة حتى سن 68 و70 عامًا، وذلك بشرط اجتيازهم بنجاح لاختبارات طبية ونفسية دقيقة وشاملة، وقد يكون لنمط الحياة الصحي السائد في هذه البلدان، وارتفاع متوسط العمر المتوقع للمواطنين، دور في اتخاذ مثل هذه القرارات.
من جانبها، أوصت المنظمة الدولية للطيران المدني «ICAO» بأنه لا ينبغي أن يتجاوز عمر الطيار 65 عامًا، مع اشتراط أن يكون الطيار متمتعًا بصحة جيدة وقدرات بدنية وذهنية سليمة، وألا يكون قائدًا للطائرة إذا وصل إلى هذا العمر، بل يمكنه العمل كمساعد للطيار فقط.
عبر تاريخ الطيران الطويل، ظل عمر الطيار يمثل عاملاً حساسًا ومثيرًا للجدل، فبين شباب يملؤهم الحماس والاندفاع، ويميلون إلى المغامرة غير المحسوبة، ورجال ذوي خبرة وكفاءة عاليتين، ولكن أوقعتهم الثقة الزائدة بالنفس في أخطاء كارثية، يظل التوازن هو المفتاح، ولكن الجيّد في الأمر أن تقارير السلامة العالمية تشير بوضوح إلى أن نسبة الحوادث الجوية المرتبطة بشكل مباشر بعامل السن تعتبر نادرة جدًا، وأن الخبرة المتراكمة والمهارات المكتسبة لدى الطيارين، تعوّض جزئيًا أي تراجع طفيف في القدرات البدنية أو الذهنية مع التقدم في العمر.
في المقابل، يتفاقم النقص في أعداد الطيارين المؤهلين بشكل مقلق، فالعالم، وفقًا للتقديرات الحديثة، سيحتاج إلى ما يقرب من 400 ألف طيار جديد خلال الخمسة عشر سنة المقبلة، ومع النمو الكبير والطلب المتزايد على السفر الجوي، أصبح خيار تأجيل التقاعد للطيارين الحاليين أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولكنه يظل مجرد إجراء مؤقت لشراء المزيد من الوقت، وليس حلًا جذريًا للأزمة المتفاقمة.
من أبرز التحديات التي تواجه قطاع الطيران اليوم هي التكلفة الباهظة لتدريب الطيارين وتأهيلهم، بالإضافة إلى ظاهرة التسرب الوظيفي التي تحدث أحيانًا، حيث يفضل بعض الطيارين الانتقال إلى وظائف أخرى ذات رواتب أعلى أو ظروف عمل أفضل، لذلك بدأت بعض الشركات الناقلة الكبرى، مثل «لوفتهانزا» و«يونايتد إيرلاينز»، في إيجاد حلول خاصة بها، والتي تمثلت في تأسيس أكاديميات طيران تابعة لها، بهدف تدريب وتأهيل الطيارين وفقًا لاحتياجاتها الخاصة.
أيضًا، أصبح النقاش يدور بشكل متزايد حول خيارات أخرى مبتكرة، مثل «التحول التدريجي إلى وجود طيار واحد فقط في قمرة القيادة»، أو الاعتماد بشكل أكبر على الطيران الآلي في رحلات الشحن الجوي (أي تسيير الطائرات بدون طيار بشكل كامل).
ولكن العائق الأكبر الذي يواجه هذه الخيارات هو الثقة البشرية، فما زال الركاب في جميع أنحاء العالم يفضلون بشكل قاطع وجود اثنين من الطيارين على الأقل في قمرة القيادة، مهما بلغ التطور التكنولوجي، ومهما بلغ سن الطيارين، فهم يشعرون بمزيد من الأمان والاطمئنان.
الواقع أن قطاع الطيران (أكثر من أي قطاع آخر) يتطلب حسًّا دقيقًا للموازنة بين معايير السلامة الصارمة، والجرأة في تبني التجارب الجديدة والمبتكرة، وبين الاحتياجات الملحة والإمكانات المتاحة، ومع أن الخبرة تظل رصيدًا ثمينًا لا يقدر بثمن، فإن التوازن هو ما سيحسم مسار "الرحلة 65" في مستقبل الطيران، ويحدد شكل هذا القطاع الحيوي في السنوات القادمة.